لقد ثار الكثيرون في العالم وقُتلوا، وكان بينهم الكثير من أبناء الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، لكن سيِّد الشهداء (عليه السلام) فرد واحد، وواقعة كربلاء فريدة في نوعها، ومكانة شهداء كربلاء منحصرة بهم، لماذا؟
إنّ إحدى خصائص هذه الواقعة هي أنّ خروج الإمام الحسين (عليه السلام) كان خالصاً لله ولإصلاح اﻟﻤﺠتمع الإسلامي، وهذه خصيصة هامّة. فعندما يقول الإمام (عليه السلام): «إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً إنّما خرجت لطلب الاصلاح في أُمّة جدي». فمعناه أنّ ثورته لم تكن للرياء والغرور، بل كانت للإصلاح فقط لا غير.
إنّ للحسين (عليه السلام) امتياز اجتماعي كبير، وشعار دائم كان يرفعه كلّ مَن أراد القيام ضد الظلم إذ كان شعاره (يا لثارات الحسين) واليوم كذلك هو شعارنا وموضوعنا الكبير من أجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة لإقامة الصلاة، وإحياء الإسلام، وتجديد حياة العواطف والأحاسيس الإسلامية، والمُثل العليا في وجودنا.
في ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) العظيمة، كان الإخلاص سبباً لبقائها، ذلك الجوهر الخالص الذي كان الإمام (عليه السلام) مظهره. ثورة الإمام (عليه السلام) انطلقت من أجل الرسالة، وتحركت من أجل أن نعيش كلّ الصراع في ساحة حرب الرسالة مع الكفر، وعملت على أساس أن تحشّد كلّ العناصر العاطفية والعقلانية والروحية والحركية في هذه الثلّة الطيبة من أهل بيت الحسين (عليه السلام) ومن أصحابه، وكان العنوان الكبير الذي يحكم هؤلاء هو (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا) (الأحزاب/ 23).
فإنسان كربلاء هو إنسان عهد الله، فمن أراد أن يكون كربلائياً فليعرف كيف يصدّق الله في عهده، بأن يكون المسلم الرسالي المجاهد والمنفتح على كلّ قضايا الإسلام والمسلمين.
ثورة الحسين (عليه السلام) ثورة إنسان كمل في إهابه معنى الرشد، وحقيقة الوعي، وروح الإيمان وسرّ العلو المطلق، فتشكّل في حياته دليلاً أميناً لطلاب الحقّ، وبعد مماته أمثولة رائعة حازت شرف الأسوة في خطٍ مشروعٍ نقلاً وعقلاً، وبقي مَن واجهه رأساً في حربة الظلم والغدر والإثم. إنّ مَن يقرأ تأريخ النهضة الحسينية يجد نفسه وجهاً لوجه أمام الطُّهر والعفاف والحبّ والحنان والعطف من جانب الحسين (علیه السلام) وأهل بيته (علیهم السلام) وأصحابه.
إنّ مأساة الحسين، ذات وجهين.. وجه المصيبة والدموع والرثاء والبكاء.. ووجه البطولة والشجاعة والإباء.. «إنّ علينا إبكاء الناس على المصيبة باستمرار ولكن في رثاء البطل.. أي يجب أن نرثي بطلاً – وبطلاً أبياً صار فخراً للإسلام والمسلمين على امتداد التاريخ وإلّا فإنّ رثاء رجل مسكين مستكين مظلوم لا حول له ولا طول، لا قيمة له». «نعم إبكو البطل وأقيموا مجالس الرثاء والعزاء للبطل، حتى تولّدوا إحساساً بالبطولة والشجاعة.. يجب أن تنعكس ظلال روح البطل على أرواحكم وتزداد غيرتكم تجاه الحقّ والحقيقة وتنذروا أنفسكم للعدالة وتصبحوا من المقاتلين ضد الظلم والظالمين، وتصبحوا أحراراً وتقدّروا الحرّية. اجلسوا في رثاء البطل حتى تعرفوا معنى عزّة النفس، ومعنى الشرف والإنسانية والكرامة». عاشوراء هي لغة الواقع التي يجب أن تصنع لنا المستقبل وهي لفتة الحرّية في تاريخنا المليء بالاستعباد.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق